أو شيء ما، وقد يُنظر للحبّ على أنّه كيمياء متبادلة بين اثنين، ومن المعروف أنّ الجسم يفرز هرمون الأوكسيتوسين المعروف بهرمون المحبّين أثناء اللقاء بينهم. وتمّ تعريف كلمة حبّ لغويّاً على أنّها تضمّ معاني الغرام، والعلّة، وبذور النّبات، ويوجد تشابه بين المعاني الثّلاث على الرّغم من تباعدها ظاهريّاً؛ فكثير ما يشبّهون الحبّ بالدّاء أو العِلّة، وكثيرا أيضاً ما يُشبّه المحبّون الحبّ ببذور النّباتات. أمّا مصطلح الغرام فهو يعني حرفيّاً، التَعلُّق بالشّيء تَعلُّقاً لا يُستطاع التَخلّص منه، ويعني أيضاً العذاب الدّائم الملازم. والمغرم هو المولع بالشّيء لا يصبر على مفارقته، وأُغرم بالشيء، أي أولع به، فهو مُغرم. مفهوم الحبّ في اللغة إنّ لمفهوم الحبّ معانٍ عدّة فسّرتها لغتنا العربيّة على الشّكل التّالي: الحبّ: نقيض البغض، والحبّ: الوداد والمحبّة، كالحباب بمعنى: المحبّة والمودّة. والحبّ: يقال حبّه وكرامة. والحُباب بالضمّ: الحبّ، والحُباب أيضاً المحبّة. والحِبً: بالكسر، الحبيب، وجمع الحبّ بالكسر: أحباب، وحبّان، وحبوب، وحبّبه، محرّكة. وحبّه يحبّه، بالكسر، فهو محبوب، وأحبّه فهو محبّ، بالكسر، وهو محبوب على غير قياس، هذا الأكثر، وقد قيل محبّ على القياس، وهو قليل. مفهوم الحبّ في الاصطلاح قبل أن نتعرّف على تعريفات العلماء للحبّ اصطلاحاً تجدر الإشارة إلى عجزهم عن تعريف هذا المصطلح وإدراك حقيقته، ومن أقدم من أشار إلى عجز التّفسير عن حقيقة المحبّة: (سمنون المحبّ) ذلك العاشق البغداديّ المتوفّى تقريباً سنة 298هـ؛ إذ قال: "لا يعبّر عن شيء إلا بما هو أرقّ منه، ولا شيء أرقّ من المحبّة، فما يعّبر عنها! ". ويكاد يتّفق العلماء على أنّ المحبّة لا يمكن تعريفها تعريفاً جامعاً مانعاً. يقول الإمام القشيريّ رحمه الله:" لا توصف المحبّة بوصف، ولا تحدّد بحدٍّ أوضح ولا أقرب إلى الفهم من المحبّة، والاستقصاء في المقال عند حصول الأشكال، فإذا زاد الاستعجام والاستبهام سقطت الحاجة إلى الاستغراق في شرح الكلام ". وبيّن الشيخ محيي الدّين بن عربي رحمه الله، أنّ تحديد المحبّة لا يُتصور، لا سيّما وقد اتّصف الله تعالى بها، قال: "واختلف النّاس في حدّه، فما رأيت أحداً حدّه بالحدّ الذّاتي، بل لا يتصوّر ذلك، فما حدّه من حدّه إلا بنتائجه وآثاره ولوازمه، ولا سيّما وقد اتّصف به الجناب العزيز وهو الله". تعريف الحبّ عند المفسّرين تقاربت أقوال المفسّرين في تعريف مصطلح المحبّة، فعرّفها القدماء بأنّها ميل القلب أو النّفس إلى أمر ملذّ، وعرّفها المتأخّرون بالانفعال النّفساني، والانجذاب المخصوص بين المرء وكماله، وهذه بعض النّصوص في تعريفهم للمحبّة على سبيل المثال: تعريف الحبّ عند الرّاغب الأصفهاني الرّاغب الأصفهاني رحمه الله، لم يعرّف الحبّ كغيره من الأقدمين بالميل، بل عرّفه بالإرادة المخصوصة وبالإيثار؛ إذ قال:" المحبّة: إرادة ما تراه أو تظنّه خيراً "، فهي إرادة مخصوصة وليست مطلقة، لذا قال:" وربّما فسّرت المحبّة بالإرادة في نحو قوله تعالى:" فيه رجال يحبّون أن يتطهرو "، التّوبة/108، وليس كذلك فإنّ المحبّة أبلغ من الإرادة كما تقدّم آنفاً، فكل محبّة إرادة، وليس كل إرادة محبّة". ويعني بذلك أنّ الإرادة أعمّ والمحبّة أخصّ، وعرّف الرّاغب الاستحباب بالإيثار فقال:" وقوله تعالى:" إن استحبوا الكفر على الإيمان "، التّوبة/23، أي: إن آثروه عليه، وحقيقة الاستحباب أن يتحرّى الإنسان في الشّيء الذي يحبّه، واقتضى تعديته بـ (على) معنى الإيثار، وعلى هذا قوله تعالى:" وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى "، فصّلت/177. تعريف الحبّ عند الرّازي عرّف الرازي المحبّة بالشّهوة والميل والرّغبة إذ قال: "المحبّة في الشّاهد عبارة عن الشّهوة، وميل الطبّع، ورغبة النّفس ". تعريف الحبّ عند القاضي عياض عرّف القاضي عياض رحمه الله المحبّة في شرحه لصحيح الإمام مسلم رحمه الله، قائلاً:" أصل المحبّة الميل لما يوفّق المحبّ "، ونقل في موضع آخر بعض ما قيل في حقيقة المحبّة وتعلّقها بالمحسوسات والمعقولات، من ذلك ما قيل في:" أنّ حقيقتها الميل إلى ما يوافق الإنسان، إما لاستلذاذه بإدراكه بحواسه الظاهرة، كمحبّة الأشياء الجميلة، والمستلذّة، والمستحسنة، أو بحاسّة العقل، كمحبتّه للفضلاء، وأهل المعروف والعلم، وذوي السّير الحسنة، أو لمن يناله إحسان وإفضال من قبله ". تعريف الحبّ عند الحافظ القرطبيّ الحافظ القرطبي رحمه الله في حديثه عن تنزيه الله تعالى عن الاتّصاف بالمحبّة على ظاهر معناها، وبيانه أنّها مؤوّلة في حقّه تعالى، ذكر السّبب في ذلك، وهو أنّ المحبّة المتعارف عليها في حقّنا، إنّما هي ميل لما فيه غرض يستكمل به الإنسان ما نقصه، وسكون لما تلتذُّ به النّفس وتكمل بحصوله ". تعريف الحبّ عند القاضي عبد الجبّار عرّف المعتزلة المحبّة بالإرادة، فالمحبّة، والإرادة، والرّضا، كلّها من باب واحد، قال القاضي عبد الجبّار رحمه الله:" اعلم أنّ المحبّ لو كان له بكونه محبّاً صفةٌ سوى كونه مريداً، لوجب أن يعلمها من نفسه، أو يصل على ذلك بدليل، وفي بطلان ذلك دلالة على أنّ حال المحبّ هو حال المريد، ولذلك متى أراد الشيء أحبّه، ومتى أحبّه أراده، ولو كان أحدهما غير الآخر، لامتنع كونه محبّاً لما لا يريد، أو مريداً لما لا يحبّ على بعض الوجوه، ولا يصحّ أن يقال إن المحبّة غير الإرادة ". تعريف الحبّ في المعاجم الفلسفيّة جاء في المعاجم الفلسفيّة أنّ الحبّ - وهو في الفرنسيّة: Amour، وفي الإنجليزيّة Love، وفي اللاتينيّة Amor - له معنيان: معنى خاصّ: وهو أن الحبّ عاطفة تجذب شخصاً نحو شخص من الجنس الآخر، فمصدرها الأوّل الميول الجنسيّة. معنى عامّ: وهو أنّ الحبّ عاطفة يؤدّي تنشيطها إلى نوع من أنواع اللذّة، ماديّة كانت أو معنويّة. والحبّ هو الميل إلى الشيء السّار، والغرض منه إرضاء الحاجات الماديّة أو الروحيّة، وهو مترتّب على تخيّل كمال في الشيء السّار أو النّافع، يفضي إلى انجذاب الإرادة إليه، كمحبّة العاشق لمعشوقه، والوالد لولده، وينشأ الحبّ عن عامل غريزيّ، أو كسبيّ، أو انفعاليّ مصحوب بالإرادة، أو إراديّ مصحوب بالتصوّر. والفرق بين الحبّ والرّغبة أنّ الرّغبة حالة آنيّة، أما الحبّ فهو نزوع دائم، يتجلّى في رغبات متتالية ومتناوبة، وفرّقوا أيضاً بين الحبّ الشّهوانيّ والعذريّ، أو الأفلاطونيّ، أمّا الشّهوانيّ فهو: حبّ أنانيّ غايته نفع المحبّ ذاته، وأما الأفلاطونيّ أو المثاليّ أو العذريّ كما تسمّيه العرب فهو حبٌّ محض مجرّد عن الشّهوة والمنفعة. ويطلق اصطلاح الحبّ الخالص على حبّ العبد لله تعالى، لأجل ذات الله تعالى، لا لمنفعة، أو خوف، أو أمل، بل لمجرّد ما يتصوّر فيه من الجمال والكمال التّامّين. ولأنّ لذّة الحبّ لا تتصوّر إلا بعد معرفة وإدراك فقط، أطلق على حبّ الله اسم الحبّ العقليّ وهو: الحبّ النّاشئ عن المعرفة المطابقة لحقائق الأشياء؛ إذ أنّ هذه المعرفة تولّد في نفوسنا فرحاً مصحوباً بتصوّرنا أن الله تعالى سبب وعلّة سرورنا. أسماء الحبّ ومراحله وضعوا للحبّ أسماءً كثيرةً منها: المحبّة، والهوى، والصّبوة، والشّغف، والوجد، والعشق، والنّجوى، والشّوق، والوصب، والاستكانة، والودّ، والخُلّة، والغرام، والهُيام، والتّعبد. وهناك أسماء أخرى كثيرة عرفت من خلال ما ذكره المحبّون في أشعارهم، وفلتات ألسنتهم، وأكثرها يعبّر عن العلاقة العاطفيّة بين الرّجل والمرأة. أمّا مراحل الحبّ فهي: الهوى يقال أنّه ميْل النّفس، وفعْلُهُ: هَوِي، يهوى، هَوىً، وأما: هَوَىَ يَهوي فهو للسّقوط، ومصدره الهُويّ. وأكثر ما يستعمل الهَوَى في الحبِّ المذموم، كما في قوله تعالى في كتابه الحكيم:" وأمَا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإنَّ الجَنَّة هي المأْوى "، النّازعات/40-411. وقد يُستعمل في الحبّ الممدوح استعمالاً مقيّداً، منه قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:" لا يؤْمن أحدكم حتى يكون هَواهُ تَبعاً لما جئتُ بِه "، صحّحه النّووي. وجاء في الصّحيحين عن عروة بن الزّبير، قال:" كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهنّ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهَبَ نفسها للرَّجُل؟ فلمّا نزلت " تُرْجي من تشاء مِنْهُنَّ "، الأحزاب/51، قلت: يا رسول الله ما أرى ربَّك إلا يُسارعُ في هواك ". الصَّبْوة وهي الميل إلى الجهل، فقد جاء في القرآن الكريم على لسان سيّدنا "يوسف" قوله تعالى:" وإلا تَصرفْ عنّي كيدَهن أصبُ إليهنَّ وأكنُ من الجاهلين "، يوسف/33، والصّبُوة غير الصّبابة، والتي تعني شدّة العشق، ومنها قول الشّاعر: تشكّى المحبّون الصّبابة لَيْتني تحمّلت ما يلقون من بينهم وحدْي الشّغف وهو مأخوذ من الشّغاف، والذي هو غلاف القلب، ومنه قول الله في القرآن، واصفاً حال امرأة العزيز في تعلّقها بيوسف:" قد شغفها حُبّاً "، يوسف/30، قال ابن عبّاس ما في ذلك:" دخل حُبّه تحت شغاف قلبها ". الوجد هو الحبّ الذي تتبعه مشقّة في النّفس، والتّفكير فيمن يحبّه، وامتلاك الحزن له دائماً. الكَلَفُ هو شدّة التعلّق والولع، وأصل الّلفظ من المشقّة، قال الشّاعر: فتعلّمي أن قد كلِفْتُ بحبّكم ثمّ اصنعي ما شئت عن علم. العشق العشق فرط الحبّ، وقيل هو عجبُ المحبّ بالمحبوب، يكون في عفاف الحبّ ودعارته، قال الفرّاء:" العشق نبت لزج "، وسُمّي العشق الذي يكون في الإنسان لِلصُوقهِ بالقلب. الجوى الحرقة وشدّة الوجد من عشق أو حُزْن. الشّوق هو سفر القلب إلى المحبوب، وارتحال عواطفه ومشاعره، وقد جاء هذا الاسم في حديث نبويّ إذ روي عن عمّار بن ياسر، أنّه صلّى صلاة فأوجز فيها، فقيل له: أوجزت يا أبا اليقظان، فقال:" لقد دعوت بدعوات سمعتهن من رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يدعو بهنّ:" اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الغضب والرّضى، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع، وأسألك الرّضى بعد القضاء، وأسألك بَرَد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك، في غير ضرّاء مُضرّة، ولا فتنة ضالّة، اللهم زيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هُداةً مهتدين ". وقال بعض العارفين:" لمّا علم الله شوق المحبّين إلى لقائه، ضرب لهم موعداً للقاءٍ تسكن به قلوبهم ". الوصب وهو ألم الحبّ ومرضه، لأن أصل الوصب المرض، وفي الحديث الصّحيح:" لا يصيب المؤمن من همّ ولا وصب، حتى الشّوكة يشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه ". وقد تدخل صفة الدّيمومة على المعنى، وذكر القرآن الكريم:" ولهم عذابٌ واصبٌ "، الصّافات/9، وقال سبحانه:" وله الدّينُ واصباً "، النّحل/522. الاستكانة وهي من الّلوازم، والأحكام، والمتعلّقات، وليست اسماً مختصاً، ومعناها على الحقيقة: الخضوع، وذكر القرآن الاستكانة بقولهِ:" فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون "، المؤمنون/76، وقال:" فما وَهَنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعُفوا وما استكانوا "، آل عمران/146. وكأنّ المحبّ خضع بكليّته إلى محبوبته، واستسلم بجوارحه وعواطفه، واستكان إليه. الوُدّ وهو خالص الحبّ، وألطفه، وأرقّه، وتتلازم فيه عاطفة الرّأفة والرّحمة، يقول الله تعالى:" وهو الغفور الودود "، البروج/ 144، ويقول سبحانه:" إنّ ربّي رحيم ودود "، هود/900. الخُلّة وهي توحيد المحبّة، وهي رتبة أو مقام لا يقبل المشاركة، ولهذا اختصّ بها في مطلق الوجود الخليلان إبراهيم ومحمّد، ولقد ذكر القرآن ذلك في قولهِ تعالى:" واتَخَذَ اللهُ إبراهيم خليلاً "، النّساء/1255. وصحّ عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قوله:" لو كنت متّخذاً من أهل الأرض خليلاً، لاتّخذت أبا بكر خليلاً، ولكنّ صاحبكم خليل الرّحمن ". وقيل:" لمّا كانت الخلّة مرتبةً لا تقبل المشاركة، امتحن الله سبحانه نبيّه إبراهيم الخليل، بذبح ولده لمّا أخذ شعبةً من قلبه، فأراد سبحانه أن يخلّص تلك الشّعبة ولا تكون لغيره، فامتحنه بذبح ولده، فلمّا أسلما لأمر الله، وقدّم إبراهيم محبّة الله تعالى على محبّة الولد، خلص مقام الخلّة، وصفا من كلّ شائبة، وفدي الولدُ بالذّبح ". ومن ألطف ما قيل في تحقيق الخلّة:" أنّها سمّيت كذلك لتخلّلها جميع أجزاء الرّوح وتداخلها فيها "، قال الشّاعر: قد تخلَّلْتِ مسلك الروح مِني وبذا سُمِّي الخليل خليلاً الغرامُ وهو الحبّ الّلازم، ونقصد باللازم التحمّل، يقال: رجلٌ مُغْرم، أي مُلْزم بالدّين، قال "كُثِّير عَزَّة": قضى كل ذي دينٍ فوفّى غريمه و"عزَّة" ممطول مُعنًّى غريمُها الهُيام وهو جنون العشق، وأصله داء يأخذ الإبل فتهيم، ولا ترعى، والهيم (بكسر الهاء) الإبل العطاش، فكأنّ العاشق المستهام قد استبدّ به العطش إلى محبوبه، فهام على وجهه لا يأكل، ولا يشرب، ولا ينام، وانعكس ذلك على كيانه النفسيّ والعصبيّ، فأضحى كالمجنون، أو كاد يجنّ فعلاً.
0 مراجعات